شريط

أهلاً وسهلاً بزوارنا الكرام.... نتمنى لكم تصفحاً ممتعاً....واستفادةً قيمة

آخر المواضيع

أحدث المواضيع

سلايد

مــركـــزنــا

مــركـــزنــا

الثلاثاء، 3 نوفمبر 2015

المتعة والمنفعة في العمل الأدبي

المتعة والمنفعة في العمل الأدبي:

وهذه الخطوة في محاولة فهم ماهية الأدب لم تزد على أن أدخلت عنصرًا جديدًا في البحث هو عنصر "المتعة الفنية" التي يحدثها الأدب. وطبيعي أن هذا العنصر الجديد ليس جزءًا من طبيعة تكوين الأدب، بل هو أثر له، فالمتعة قد تحدث لشخص يتلقى عملا أدبيا ولا تحدث لشخص آخر يتلقى نفس هذا العمل, على أننا كذلك قد نجد المتعة في أشياء ليس لها بالأدب صلة.
والغريب أن فلسفة الجمال فيما يتعلق بالفن والأدب كانت في أغلب الأحيان تترك الأدب ذاته لتبحث في آثاره, ويمكن تلخيص هذه الفلسفة ببساطة في مقولتين قال بهما "هوراس"2 منذ أمد بعيد هما: المتعة والمنفعة. وقد كان تاريخ فلسفة الفن تسجيلا للمواقف التي تتوزعها هاتان المقولتان، فمن أديب ينتهي إلى أن الفن متعة، إلى مفكر يخلص إلى أن الفن منفعة, وبإزاء المتعة والمنفعة نجد اللعب والعمل، فالفن لعب في رأي، وهو عمل في رأي آخر. والمحاولة الثالثة، وهي المحاولة التي قام بها عصر النهضة في أوروبا، هي محاولة الجمع بين الخاصتين بحيث لا يمكن أن يقوم فن يوصف بوصف واحد من الوصفين، فالعمل الأدبي يقوم بالمهمتين، ويحدث الأثرين معًا، وبنجاح.
وقد قلنا: إن هناك أشياء تمتعنا وهي ليست من الأدب في شيء، وكذلك هناك أشياء نافعة ولا تمتّ إلى الأدب بصلة، فحتى هذان الأثران المعروفان للأدب ليسا إذن أثرين خاصين به. وهنا "ينبغي أن نأخذ بأن متعة الأدب ليست متعة مختارة من بين قائمة بالمتع الممكنة، ولكنها متعة أعلى؛ لأنها متعة لنشاط أرقى، أعني تأملا لا يهدف إلى حيازة شيء. أما المنفعة أو الجدية والتعليم في الأدب، فهي جدية ممتعة، أعني أنها ليست جدية الواجب الذي يجب أن يعمل، أو الدرس الذي يجب أن يحفظ، ولكنها جدية فنية، جدية إدراك حسي ... "3.
فإذا ما خصصنا نوعي المتعة والمنفعة اللذين يحدثهما الأدب ويؤثر بهما في التلقي، أمكننا أن نصل إلى الحديث عن الأدب ذاته، إذا ما تساءلنا عن سر المتعة والمنفعة في العمل الأدبي: لماذا كان الأدب ممتعًا ونافعًا؟

والحق أن "عنايتنا بالأدب ترجع أولا وقبل كل شيء إلى أهميته الإنسانية العميقة الباقية، فالكتاب العظيم يستمد مباشرة من الحياة، ونحن حين نقرؤه نستكشف بين أنفسنا والحياة علاقات كثيرة وطيدة وجديدة. وفي هذه الحقيقة نجد التفسير النهائي لما له من قوة، فالأدب إبداع جديد حي لما رآه الناس في الحياة، وما خبروه منها، وما فكروا فيه, وأحسوا به إزاء مظاهرها التي لها عندنا جميعًا أهمية مباشرة وباقية، تفوق كل أهمية. وهو بذلك يعد -بصورة أساسية- تعبيرًا عن الحياة وسيلته اللغة, ولكن من المهم أن نفهم منذ البداية أن الأدب يعيش بفضل الحياة التي تتمثل فيه"1.
فالمتعة والنفع اللذان نتحدث عنهما في الأدب مصدرهما تلك الأشياء التي نجدها في العمل الأدبي، والتي لها أهمية إنسانية، فبمقدار ما يكون لهذه الأشياء من أهمية يكون إمتاعها ونفعها لنا. وقد قال "هدسن" في العبارة السابقة: إن الأدب تعبير عن الحياة وسيلته اللغة، وهنا نقول: إن هذه الصلة الوطيدة بين الأدب والحياة هي السر فيما يتضمن من متعة ومنفعة؛ لأننا نحب أن نرى الحياة "منقولة إلينا"، نحب أن نجلس في مكاننا لنشاهد الحياة تمر بنا جزئياتها في سلسلة متصلة الحلقات "وهذه المتعة تتحقق في جلوسنا لقراءة كتاب، وتتمثل بصورة أوضح وأقوى في ذهابنا إلى "السينما"، ومشاهدتنا لأحد "الأفلام" أو إحدى المسرحيات"، ولكن قيمة الكتاب الذي نقرؤه، أو "الفيلم" الذي نشاهده، لا تقف عادة عند مجرد قضاء سويعات في استعراض مشاهد ممتعة من الحياة، بل إننا نمضي بعد الفراغ من القراءة أو المشاهدة لنناقش ما قرأنا وما شاهدنا. وكثيرًا ما نناقش أنفسنا بسبب كتاب قرأناه, وهناك كتب غيرت من منهج حياة قارئيها تغييرًا كاملًا, وهنا يتمثل ما للأدب من نفع، حين يعمق فهمنا للحياة، بل أكثر من هذا حين يوجه حياتنا، فالأدب يستمد من الحياة، ويدفع الحياة ويوجهها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق